شـــرح
منجيـــة العبيــد في علم التوحيــد
للإمام السيد محمد عثمان الميرغني
( الختــم )
الأستاذ الخليفة عبد العزيز محمد الحسن
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة بدءً وختما وصلى الله على سيدنا محمد ذاتا ووصفا واسما
خطبة الكتاب :
الحمد لله الذي ملأ قلوب أحبابه بمعرفته وسيرهم إلى رحب حرمه وآنسهم في وحشتهم بلذيذ خطابه وسقاهم وهم ظمايا بكأس محبته فتفرد كل واحد منهم وظهر بشكل . أحمده حمد عبد مقر بوحدانيته وأشهد أن لا إله إلا الله الذي قال : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وخير دال عليه الذي قال :(من عرف نفسه عرف ربه)(1) صلى الله عليه وآله والسائرين على نهجه.
أما بعد فرأيت منجية العبيد وقرأتها فوجدتها سفينة قد حملت في داخلها – مع صغر حجمها – جميع أصناف علم التوحيد من إلهيات ونبوّات وسمعيات فخطر في قلبي أن أحلل ألفاظها ,وتكرر الخاطر, فشرعت في ذلك راجيا من الله تعالى أن يبث فيها القبول وأن يجنبنا الغلط في حقه وهو العزيز الحكيم , ومع أني لست أهلا لمثل هذا ولكني بدأت مستعينا بالله و مستشفعاً برسوله و بشيخي.
الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز محمد الحسن .
يقول طالب الرضى من الغني
محمد عثمان مكي الميرغني
(يقول) : فعل مضارع مأخوذ من القول والمبني للمجهول منه ثلاثاً جمعها الناظم :
أقــول لـظبي مـرّ بي وهـو راتــعٌ أأنت أخو ليلى فقال يقــــالُ
فقـلت أفـي ظـل الأراكـة والـنــقـا يقال من استظل فقال يقـال
فقلت هل يقال المستجير بأرضكم إذا جـنـى ذنـبـاً فقـال يقـال
الأول من القول والثاني من القيلولة والثالث من الإقالة وأصلها يقوول بواوين نقلت ضمة الأولى إلى القاف ثم حذفت الثانية لالتقاء الساكنين وهن بمعنى يبتدئ.(طالب) اسم فاعل من الثلاثي طلب بزنة فاعل والطلب هو الرجاء وينقسم إلى ثلاثة أقسام الأمر والنهي والدعاء وهنا من باب الدعاء .(الرضى) بالراء المشددة المكسورة وفتح الضاد ضد السخط. (من) حرف جر وحروف الخفض هي : من ,إلى ,عن ,على ,في ,رب ,الباء ,الكاف ,اللام وحروف القسم. (الغني) اسم من أسمائه تعالى وهو الذي لا يحتاج إلى السوى وفي الحديث (إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مئَةً إِلَّا وَاحدة ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)(1).(محمد عثمان) وهو اسم المؤلف وحيد دهره وأوانه وغوث عصره وزمانه مؤسس الطريقة الختمية الميرغنية الذي جمع له بين الشريعة والحقيقة والذي جاهد في الله حق جهاده حتى قال فيه سيد الكونين:(ما قام بأمر الله والمؤمنين أحدٌ مثلك شكر الله سعيك, قال فقلت كيف يا رسول الله ؟ فقال تعبت في المؤمنين ونصحتهم, ما تعب فيهم أحد بعدي مثلك, فقلت أأرضالك ذلك ؟ قال أرضاني وأرضى الله فوق سبع سموات) القصة. ولد سنة 1208 هـ وانتقل إلى جوار ربه سنة 1268 هـ وأخذ الطريق على رجال عدة منهم سيدي الشيخ سعيد العامودي الصديقي ومنهم الشيخ سعيد بنا ومنهم سيدي عبد الكريم بن أحمد الهندي ومنهم سيدس السيد أحمد بن إدريس وهو عن القطب الكامل سيدي عبد الوهاب التازي وهو عن وحيد العصر وعين الحقيقة سيدي عبد العزيز الدباغ وهو عن سيدي الخضر وهو عن سيد الوجود ورسول الملك المعبود. فمن أراد التطويل فعليه بال........... وقد بنى أسس طريقته على خمس طرق وقد رمز إليها ب(نقش جم) إشارة النون إلى النقشبندية والقاف إلى القادرية والشين إلى الشاذلية والجيم إلى الجنيدية والميم إلى الميرغنية طريقة جده سيدي عبد الله المحجوب آهـ. ونسب هذا الشهم حسيني فهو السيد محمد عثمان بن السيد محمد آبي بكر بن السيد عبد اللّه المحجوب بن السيد إبراهيم بن السيد حسن بن السيد محمد أمين بن السيد علي ميرغني بن السيد حسن بن السيد ميرخورد بن السيد حيدر بن السيد ميرخورد بن السيد حسن بن السيد أحمد بن السيد علي بن السيد إبراهيم بن السيد يحيى بن السيد حسن بن السيد أبي بكر بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد إسماعيل بن السيد بن السيد ميرخورد بن السيد عمر بن السيد علي بن السيد عثمان بن السيد علي التقي بن السيد علي الخالص بن السيد علي الهادي بن السيد محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو ابن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين .
كمل هذا الأستاذ على يد سيدي أحمد بن إدريس وعنه حدِّث فهو كالبحر لا تنقصه الدلاء وإليه نسب نفسه فرضي به شيخاً ورضي به الشيخ ابنا وتلميذاً . ومن العجائب المروية بينهم لما لقنه الذكر واشتغل به ما شاء الله دعاه يوماً وأعطاه الحزبين العظيمين وقال له هيئ لك محلاً خالياً وسدد المسام واشتغل بالذكر والعبادة فعند الظهر يأتيك الفتح من غير كلام . قال الأستاذ ففعلت كما أمرني ودخلت الخلوة فلما كان وقت الظهر وقع لي ما وعدني فرأيت سقف الخلوة انفرج ونزل عليّ نور عظيم دخل مسام ذاتي فوقعت مغشياً عليّ من الظهر إلى الضحى من اليوم التالي فلما أفقت صار جسمي كله عيوناً تنظر وأبصر من أمامي وخلفي وجميع جهاتي وكشف لي عن عالمي الملك والملكوت وشاهدت الأرض من قاف إلى قاف من محلي وغبت في حب الله , فلما استطعت القيام أتيت إليه فلما رآني قال : يا أخينا عثمان أنت إلى الآن في شهود الأكوان هـــاهـ فشاهدت الديوان واتصل شهودي بالحضرة الإلهية إلى هذا الآن ولم يزل يرقيني بلفظه ويربيني بلحظه حتى إني كنت يوماً جالساً بين يديه فسألته عن أرض السمسم فلما قلت له ما شاهدتها قال هــاهـ فوجدت نفسي في تلك الأرض, وهكذا كان حاله كلما سألته عن مقام عالٍ . ومرة كان سيدي أحمد يصلي بمزدلفة فصاح صيحة شديدة حتى فر جميع المأمومين ولم يبق معه إلا سيدي محمد عثمان, قال الراوي فسألت سيدي محمد الحسن عن هذه الصيحة فقال من غيبتهم في أنوار العرش, فإن كل من وقع له هذا الشهود لابد أن يصيح وقد وقعت لسيدي محي الدين وسيدي محمد عثمان وغيرهما ولو لا خشية الإطالة لكتبنا في فضل الأستاذين ما يبهر العقول. وقد قام الأستاذ بنشر طريقته في جميع البلاد ناهجاً بذلك سيرة خير العباد بذهابه إلى الطائف وهجرته إلى المدينة وأمره أصحابه بالهجرة إلى الحبشة, وقد فازت بلادنا بلثم نعاله ثلاث مرات الأولى عن طريق مصر والثانية عن طريق الحبشة والثالثة وصل فيها سواكن, وخلف ما يزيد على الألف خليفة, ولما رأى كثرة أتباعه ومعظمهم من العوام ألف لهم في كل فن كتاب سهل العبارة وقد خبأ فيه للعلماء دقيق الإشارة. وقد نبغ رضي الله تعالى عنه في جميع علوم عصره فمن مؤلفاته ما نحن بصدد حل ألفاظها عقيدة غراء قل النسج على منواله فيها ومنها كتاب تاج التفاسير لكلام الملك الكبير في مجلدين عظيمين وقد جمع رضي الله عنه الصحاح الستة في كتاب واحد بأسانيدها مع حذف المكرر من الحديث وسماه رحمة الأحد في اقتفاء أثر الرسول الصمد, وجمع من الأخبار الصحيحة وأقوال السلف والمواعظ وبوبه في كتاب سماه الوعظ الثمين في تعمير أعصار رمضان الثلاثين, وأمتن في سيرة الرسول نظماً بديعاً لا يماثله شيء ووضعه على الأحرف الهجائية وسماه النور البراق في مدح النبي المصداق, وله دواوين في مدح الرسول قصيدة البوصيري (البردة) تشطيراً مخمساً وشرح ألفية ابن مالك وسماه غنية الصوفية في علم العربية , ومن مؤلفاته رضي الله عنه الفوائد البهية في حل ألفاظ الآجرومية ومنها شرح ألفية السيوطي في علم البيان ومنها شرح البيقونية في علم المصطلح وله حكم كحكم ابن عطاء الله السكندري شرحها بنفسه, وألف مجموع للأوراد يشغل به أوقات العباد حتى يوم المعاد ليفوزوا بالمراد, وله فيه راتب عظيم المقدار تتناثر عند قراءته الأنوار وله فيه أيضا توسلين أولهما حبل الوصال في التوسل بأسماء الله الحسنى والثاني توسل بأسماء الرجال. وألف صلوات على الرسول عظام ما اطلع عليهن أحد إلا وذاق حلاوتهن , وصنف كتاباً قومياً سماه الخزانة القدسية, وله رسائل عظيمة القدر في التصوف والآداب, وشرح مشكاة الأنوار لجده عبد الله الميرغني المحجوب في السيرة وسماه مصباح الأسرار. آه مختصر. وما عثر على علم إلا وفاق في التصنيف فيه. وله رضي الله عنه كرامات عظيمة منها ما روي أنه كان متوجهاً مع قافلة نحو الغرب فعطشت فالتجئوا به فرفع يديه إلى السماء وقبل أن ينزلهما هطلت الأمطار فسقى القوم, وكراماته لا تحصى فعليك بالأصل إن أردت التطوال, وقد تكلم عنه سيدي محي الدين بن عربي كلاماً كثيراً قبل ظهوره وألف فيه كتاب سماه عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب. (مكي) مكة هي بلد المؤلف أي نسب نفسه إلى أصله ولك فيها لغتان بالباء وبالميم ولها فضائل لا تحصى فمع أنها صحراء وجبال فإن كل الثمرات من شتى أنواعها بها وكانت قديماً مركزاً تجارياً هاماً تمر به جميع القوافل كما هي مركز الدولة الإسلامية في البداية . الحسنات بها تضاعف كما السيئات وهي مكان وضوع خير البرية ومهبط الوحي وبها بيت الله المقدس وهي مسكن ولد إسماعيل ومن فضلها عند الله حرّم صيدها, قال القائل : كظباء مكة صيدهن حرام. أتم لله للمؤلف إضافته لها فأسكنه فيها بالمعلاة. (الميرغني) هي لقب لجده السادس ومعناها بلغة الفرس (مير) أي الشريف و(غني) ضد فقير كونها نعت وكونها بدل استبعد وقد أطلقت على أعقابهم حتى اليوم.
بسم الإله أبتدي عقيدة تنج كل سائل مفيدة
(بسم الإله) ابتدأ الشيخ ببسم الله إقتداءً بطالعة كتاب الله ولما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر وأقطع) أي قليل البركة وقال صلى الله عليه وسلم :(بسم الله فاتحة كل كتاب) ونقل الخطيب عن بعضهم أن كون البسملة هو الكون المختص بهذه الأمة على هذا الترتيب ونقل البستاني بسم الله من العارف بمنزلة كن من الباري وقال سيدي عبد الله المحجوب في شرحه على الصلاة المشيشية والسيد محمد عثمان في تاج التفاسير والسيد محمد سر الختام في شرحه فتح الخلاق ولبن عطاء الله في كتابه المصباح الداعي إلى الفلاح :" إن الله أوحى إلى نبي من الأنبياء قال من جاء يوم القيامة وفي صحيفته أربع آلاف بسم الله الرحمن الرحيم ركزت لواءه إلى قائمة من قوائم العرش وشفعته في اثني عشر عتيق قد استوجبوا النار ولو لم اقض على كل نفس بالموت ما قبضت روحه وما يمنعه من دخول الجنة إلا أن يحل به الموت " هذا وقد اهتم العلماء بها فألفت فيها المؤلفات فيها المصنفات العديدة هذا وهمتنا الاقتصار. ( الإله ) مأخوذ من الأله وهو التحير وقال بعضهم هو الاسم المفرد إذ لا يطلق على غيره تعالى. ( ابتدئ ) فعل مضارع بمعنى أشرع . ( عقيدة ) هي ما تنطوي عليه النفس ولا تقبل التزحزح عنه مأخوذ من عقد زيد الثوب. ( تنج ) من النجاة أي تخلص من العذاب في الدنيا والآخرة, ففي الدنيا يعامل معاملة المسلمين من نكح وإنكاح ودفن في مقابر المسلمين والصلاة عليه ويحرم دمه وماله ويتوارث هو وأبناءه و آباءه وفي الآخرة يجيب على سؤال الملكين وتكتب له السعادة في دار اليقين. ( كل سائل ) بمعنى كل طالب فيما يتعلق بربه من صفات وواجبات ومحترزات. ( مفيدة ) مأخوذة من الفائدة وهي إسداء عمل للغير يرجى النفع به, وهذه من أعظم الفوائد التي لا يستغني عنها العالم والمتعلم إذ من لا يعلم ما يتعلق بربه فهو في مرتبة البهائم وثانيا كيف يرد إذا وردت عليه شبهة في دينه فهذا كله لا يكون إلا بعلم التوحيد كما أن كل العلوم يؤخذ فيها بغير النظر في الدليل إلا التوحيد فمن كان مقلداً يجب عليه الدليل الإجمالي.
سميتها منجية العبيد من هول يوم الوعد والوعيد
( سميتها ) أي أطلقت عليها, والاسم هو ما يعرف به الشيء. ( منجية ) من النجاة بمعنى الإنقاذ أي منقذة كل من التجأ بها وطلب النجاة لان أول ما يطلب من المكلف معرفة التوحيد أول ما يسأل عنه العبد في القبر كما حققه النابلسي : ما هو ربك؟؟وبهذا تحتمل النجاء بإطلاق الحسي على المعنوي. ( العبيد ) جمع عبد والعبودية أقصى درجات التذلل والعبد لغة المملوك ممن يعقل وفي المحكم العبد هو الإنسان حراً كان أو رقيقاً لانه مملوك الباري سبحانه ونحوه في القاموس ولابن الأنباري العبد هو الخاضع لله من قولهم طريق معبدة إذا وطئها الناس وفي الأصل صفة استعمل استعمال الأعلام آهـ من فتح الخلاق, وقد عبد الله أنبياءه فقال في مقام الإيحاء: أنزل على عبده الكتاب وأوحى إلى عبده ما أوحى وقال في مقام الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً , قال القشيري ليس للمؤمن وصف أتم من وصفه بالعبودية . (من) حرف جر لا يتم معناها إلا مع غيرها. ( هول ) مأخوذ من هاله أي استعظمه والهول هو ما تستعظمه النفس عند النظر إليه. ( يوم ) في الدنيا مقداره أربع وعشرون ساعة زمنية وفي الآخرة عُبِّر عنه بخمسين ألف سنة تارة وتارة بألف سنة والله تعالى أعلم به. ( الوعد ) هو التبشير للمتقين بأن الجنة لهم مسكنا والنعيم لهو موطنا قال تعالى : والذين سبقت لهم منا الحسنى اؤلئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ( الوعيد ) هو التوعد بالعذاب وقد وصف الله تعالى ذلك اليوم فقال : يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد وفي معنى الوعيد قال : يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا *** وفي كلام سيدنا عمر ( العبد توعدني ) , أي تنجي صاحبها من ذلك العذاب لأن الأصل في التوحيد معرفة الله تعالى وقد ورد أن الرسول قال أشفع حتى لا يبقى في النار من في قلبه مثقال ذرة من التوحيد ) (1) فهذا دليل على نجاة صاحب التوحيد. قال سيدنا أبو ذر قال رسول الله ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة قال قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق. قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر) (1) وإن شاء الله تعالى نتكلم في فضلها في محلها.
فالحمد لله مدى الأزمان والشكر للمولى على الإحسان
( فالحمد) الفاء عاطفة . الحمد لغة الثناء واصطلاحاً فعل ينبئ على تعظيم المنعم كما قيل :
إفادتكم النعماء من ثلاثة يد ولسان والضمير المحجبا
وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع) رواه أبو داود والنسائي وذكره من بعد البسملة من تمام المقصود إذ الابتداء في البسملة حقيقي وفي الحمد إضافي . ( لله ) جار ومجرور والأصل للإله خففت للتكرار فصارت لله, وفي الحديث ( لا إله إلا الله حصني ومن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي) وقال بعضهم هي الاسم الأعظم. (مدى الأزمان) المدى هو المدة أي طيلة ( الأزمان ) جمع زمان وهو الدهر ويطلق على السالف والمقبل, أي الثناء لله تعالى ما دامت هذه الأيام سالفها وحاضرها ومقبلها. ( والشكر ) الواو عاطفة والشكر لغة هو عين الحمد واصطلاحا هو قيام العبد بما خلقه الله تعالى لأجله ولاستعظام هذا المقام قال تعالى : وقليل من عبادي الشكور . ( للمولى ) أي المتولي أمورنا ومسيرنا بقدرته وإرادته, وتطلق لمعانٍ عدة منها السيد والعبد تقول هذا مولى فلان أي عبده وهنا للسيد. ( على الإحسان ) على حرف جر والإحسان فسره سيدنا رسول الله حين سأله سيدنا جبريل عليه السلام فقال : (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) أي أشكر الله تعالى على ما أولانا من معرفته .
ثم صلاة من به الإعانة بدءاً وختماً لنبي الضمانة
( ثم ) عاطفة . ( صلاة ) الصلاة لغة هي الدعاء قال الشاعر:
تقول بنيتي وقد غربت مــرتـــحلاً يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي عـيـنـاً فـإن لـجـنب المـرء مضَّجـعا
واصطلاحاً التحية المقرونة بالتعظيم وهي في الشرع على ثلاثة أقسام : من الخلق إنس وجن وحيوان وطير وجماد وغيرها*** طلب الرحمة من الله, ومن الملائكة إستشفاع ومن الله الرحمة, وقول المؤلف ثم صلاةُ بالضم من بلاغته رضي الله عنه إذ الرسول كامل ولا يجوز ترحم الناقص على الكامل فطلب الرحمة له من الله, قال تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً والكلام في فضلها كثير منه ما روي عنه : ( من صلى على في كتاب لا تزال الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب )(1). ومنه قوله : ( من صلى على مرة صلى الله عليه عشرا ومن صلى على عشرا صلى الله عليه مائة ومن صلى على مائة صلى الله عليه ألفا ومن صلى على ألفا لا يفتقر أبدا وحلت له شفاعتي )(2) وقال العلماء واجبة في العمر مرة كالحمد والشهادتين إلا أربع من العلماء هم اللخمي من المالكية والطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية وابن بطة من الحنابلة قالوا واجبة على كل من سمع اسمه, ولا شك أن هذا اختيار جميل. قال العلماء بوصولها دون غيرها وقال بعضهم أفضل الأذكار, وقال من سمع اسمي ولم يصل على فقد جفاني )(3) وجفوته حرام. وتكره الصلاة عليه في مواضع جمعها بعضهم في :
ذبــح عـطـاس أو جـماع عثرة وتـعـجــب أو شـهــرة لـمـبـيـع
أو حاجة الإنسان فاعلم عندها كرهوا الصلاة على أجل شفيع
وزاد ثان:
أو عند حمام وأكل مثله ومواضع الأقذار للترفيع
وقال بعضهم إذا سمعت محمد رسول الله من المؤذن تجيبه وإن كنت في المرحاض. وقد اعتنى العلماء بها وبفضلها حتى ألفت فيها المصنفات, منهم سيدي محمد عثمان فقد جعل فصلا كاملاً من كل يوم في صلاته فتح الرسول في فضلها والثاني فيما صلى به على ذاته الكريمة والثالث فيما صلت به الصحابة وأكمل التابعين والرابع فيما صلى به العارفون والخامس فيما صلى به المؤلف, ومنهم سيدي ابن مشيش وسيدي عبد القادر وغيرهما من العارفين والكلام فيها مشهور. قال ابن المبارك في الإبريز : قال الشيخ رضي الله عنه في قولهم الصلاة على النبي مقبولة قطعاً من كل أحد فقال الأستاذ لا شك أن الصلاة على النبي أفضل الأعمال وهي ذكر الملائكة الذين هم على أطراف الجنة, ومن بركة الصلاة على رسول الله أنها كلما ذكروها زادت الجنة في الاتساع حتى ينتقل الملائكة المذكورون إلى التسبيح ولا ينتقلون إليه حتى يتجلى الحق سبحانه لأهل الجنة بالجنة فإذا تجلى لهم وشاهدته الملائكة أخذوا في التسبيح فإذا أخذوا فيه وقفت الجنة واستقرت المنازل بأهلها ولو كانوا عندما خلقوا في التسبيح لم تزدد الجنة شيئاً فهذا من بركة الصلاة على النبي , ولكن القبول لا يقطع به إلا للذات الطاهرة والقلب الطاهر فإن قائلها حينئذٍ يقولها مخلصاً وهذا معنى ما في الأحاديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة يعني به إذا كان طاهر الذات والقلب. قال ابن المبارك سألته رضي الله عنه لماذا تزيد الجنة بالصلاة على النبي دون التسبيح وغيره من الأذكار فقال رضي الله عنه: لأن الجنة أصلها من نور النبي فهي تحن إليه حنين الولد إلى أبيه وإذا سمعت ذكره انتعشت وطارت إليه لأنها تسقى منه والملائكة الذين في أطراف الجنة وأبوابها يشتغلون بذكر النبي والصلاة عليه, عليه الصلاة والسلام فتحن الجنة إلى ذلك وتذهب نحوهم وهم في جميع نواحيها فتتسع من جميع الجهات ولو لا إرادة الله ومنعه لخرجت إلى الدنيا في حياة النبي وتذهب معه حيث ذهب وتبيت معه حيث بات إلا أن الله منعها من الخروج إليه ليحصل الإيمان به عن طريق الغيب وقال رضي الله عنه إذا دخل النبي وأمته الجنة فرحت بهم واتسعت وحصل لها من السرور والحبور ما لا يحصى. انتهى كلام الشيخ مع تقديم وتأخير. روى الحافظ السخاوى عن الفاكهاني أن الصلاة على نبينا من خصوصياته دون إخوانه من الرسل وأنه ليس في القرآن ولا في غيره فيما علم صلاة من الله على غير نبينا فهي خصوصية اختصه الله بها دون سائر الأنبياء انتهى. ( من ) اسم موصول بمعنى الذي . ( به ) الباء حرف جر والضمير مجرور يشير إلى الله تعالى ( الإعانة ) مأخوذة من العون وهو إسداء عمل للغير بعد عجزه عنه, يعني أنه لا شيء يتم إلا بالله . ( بدءاً ) في البداية أي إني استمد العون منه في بداية أمري. ( وختماً ) أي في الختامة أو في ختامة هذه العقيدة, وفي مثلها قال رسول الله الدعاء بين السماء والأرض حتى يصلى علي ومن دعا الله ثم صلى علي استجيب دعاءه ومن كان آخر كلامه الصلاة على الرسول حلت له الشفاعة )(1) ( لنبي ) النبي مأخوذ من الإنباء وهو الإخبار والنبي في اصطلاحهم عليه قالوا هو ذكر حر بالغ من بني آدم أنزل عليه شرع وأمر بالتبليغ أم لا. وقول الأستاذ من بلاغته رضي الله عنه وتتبعه لأقوال النبي لانه قال : ( أنا العاقب الذي لا نبي بعدي )(1) لان النبي أدنى من الرسول وبنفي الأدنى ينتفي الأعلى. ( الضمانة ) يعني بها الشفاعة, لان رسولنا من أميز الرسل يوم القيامة بالشفاعة الكبرى التي تشمل المسلم والكافر, والضمين هو المرتكز الذي يحتاج إليه في الشدائد.
وآلــه وصـحـبـه وسـلـم وبعد يا راجي النجاة فاعلم
( وآله) ينقسم إلى قسمين في الدعاء وهو كل مسلم ولو عاص وقال بعضهم هم الذين خلقوا من مائه وعليه جمع والأول راجح لكثرته والثاني مرجوح والصلاة عليهم سماعية خلاف الصحابة وهي قياسية وأما في الصدقة فلا خلاف لما روى العدوي في المشارق : ذهب بعض التابعين إلى زيد بن أرقم فسألوه عن آل الرسول الذين نزلت فيهم الآية فقال : هم ما حرم الصدقة. قيل من هم ؟ قال آل علي والمطلب وعقيل وحمزة والعباس وزاد بعضهم آل هاشم وحكمتها أنها أوساخ الناس . ( وصحبه ) جمع صاحب وهو من التقى مع رسول الله في حال حياته وهو مسلم ولو ساعة . وقوله في حال حياته اخرج من رآه مناما أو يقظة كالصوفية, ففي قولهم ليس بصحابة ولكن ينل درجة الصحابة لقوله : ( من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي )(2) ولقوله : (من راني في المنام فسيراني في اليقظة )(3) وفي الحديث قال رسول الله : ( أين أحبابي ؟ قالت الصحابة ألسنا أحبابك ؟ قال : لا, أنتم أصحابي . قالوا من أحبابك يا رسول الله ؟ قال : الذين سمعوا بي ولم يروني وصدقوا بي . قالوا وما أجرهم ؟ قال : أجر السبعين منكم ) فلذلك قال سيدي محمد سر الختام في قصيدته التي ضمنها سور القرآن الكريم مادحاً بها والده :
وكل من كان من أحزابه فله أجر سبعين ممن للنبي حضره.
والصلاة على الصحابة قياسية إذ لا نص لها منه . ( وسلم ) بفتح السين وتشديد اللام وكسره وكسر الميم من السلام وهي التحية المقرونة بالتعظيم, ولتعظيم الله تعالي لنبيه أكدها بقوله : وسلموا تسليماً . ( وبعد ) الواو عاطفة وبعد لك منها أربع حالات تنصب في ثلاث مواضع أحدها أن تكون مضافة أو مخفوضة بمن , الثانية أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه ولا ينونان, الثالثة أن يقطعا عن الإضافة لفظاً ولا ينوى المضاف إليه وتبنى في حالة واحدة وهي أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه دون لفظه والمراد من نية المعنى الارتباط الحاصل بين المضاف والمضاف إليه وهي حالتها هنا ولفظها بعد بضم الدال وقال بعضهم هي فصل الخطاب الذي ذكره الله تعالى في قصة داود عليه السلام ولكن بعد زيادة ألف وميم طالعة . فالأستاذ رضي الله عنه من الحواذق الفطنا إذ قام بكل ما يطلب من المؤلف فشرع ببسم الله وعرف بنفسه لأن لا تأخذ المطلع ريبة وبين فائدة المنظومة وأوضح تسميتها وبدأ في المجازي بالحمد والشكر إذ يطلبان من المؤلف ثم صلى على الرسول وآله وأصحابه فهذه شروط التأليف . ( يا راجي ) يا حرف نداء مبنية على الفتح لا محل لها من الإعراب . راجي أي يا من يرجو ( النجاة ) هي التخلص من مهلكة وهنا الفوز في الدنيا والآخرة . ( اعلم ) بكسر الميم مأخوذ من علم إذا أحاط بالشيء علماً, يعني أريد أن أفهمك شيء خفي عليك والعلم لا يطلق إلا إذا سبقه جهل سوى علم الله تعالى فإنه انكشاف لم يسبقه جهل والمعلمين ثلاثة ملك وبشر وإلهام . واعلم أن ليس للجاهل عذر في عدم علمه بأموره الضرورية وأشرك الله العلماء معه ومع الملائكة فقال : شهد الله أنه لا إله هو والملائكة وأولوا العلم وقال رسول الله : ( العلماء ورثة الأنبياء )(1) وقال : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) (2) وقال الأمام علي كرم الله وجهه :
عش بعلم اقتبسته أبداً فالناس موتى وأهل العلم أحياء .
وقال الحسن البصري أطلب العلم ولو في الصين . وقال الجنيد لو علمت أن تحت أديم السماء علماً أشرف من علمنا لارتحلت إليه . وقال بعضهم لو أن الجهال عبيدي لأعتقتهم وأسقط ولائهم . أما المؤمن الصادق مع الله تعالى فإنه عالم وإن لم يجلس بين يدي مدرس لقوله (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله، ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} )(3) ولقوله في الحديث القدسي : } كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به { (4)وقال الله تعالى : اتقوا الله ويعلمكم الله فهذا العلم لا يحصل إلا لمؤمن صادق وهذا إكرام من الله إليه وقد تجد ذلك في حالة الشيخ علي الخواص فإنه لم يجلس بين يدي شيخ ولكنه كان صاحب تقوى وكان الشيخ الشعراني ينكر عليه وعلى تلامذته إلى أن قال يوماً ما اتخذ الله ولياً جاهلاً فقال له اتخذني وعلمني يا حمار نفيسه فاحسن الظن به وتأدب بين يديه وأخذ العهد عليه فاصبح من سادة الأعلام ومثل الشيخ عبد العزيز الدباغ فان تلميذه ابن المبارك كان من العلماء الاجلاء الأكابر فسمع كلامه فانشرح صدره له, قال خلطت عليه القرآن والأحاديث القدسية والموصولة والمقطوعة والصحيحة والمعلولة فأبان عنها ونسب كل واحدة إلى أصلها فعلمت أنه صاحب ولاية جلية ووراثة محمدية, وكتابه الإبريز أفصح ناطق وأعظم شاهد بذلك . ولأولياء هذه الأمة الأميين وراثة من عند نبينا الأمي إظهاراً لقدرة الله تعالى وبياناً لحكمته. وبعد هذه المقدمة العظيمة التي
قدم الأستاذ بها عقيدته جزاه الله خير الجزاء شرع يتكلم فيما هو بصدده فقال :
بأن ربي أولاً قد أوجبا على المكلفين منهم طلبا
( بأن ) الباء حرف جر وأن حرف مصدري ونصب ( ربي ) رب مصدر بمعنى اسم فاعل أي مربني بإنعامه حساً ومعنى قال تعالى : واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وقيل هي صفة اصلها ربب بوزن حذر وقيل اصله رابب ببائين موحدتين ثم خففت بحذف الألف وادغمت إحدى البائين في الأخرى وعن بعضهم قال اصله راب بالتشديد حذفت ألفه لكثرة الاستعمال تخفيفاً ولا يطلق الرب على غير الله مطلقاً ولها معان كثيرة نظمها العلامة السجاعي رضي الله عنه فقال :
قـريـب محـيـط مـالـك ومدير مـرب كثير الخـير والمـولي للنـعـم
وخالقنا المعبود جابر كسرنا و مصلحنا و الصاحب الثـابت القدم
وجامعنا والسيد فاحـفظ لهذه معـان أتت للـرب فادعـوا لمن نظم
ونقل المناوي عن الحافظ ابن حجر قال هو الاسم المفرد آهـ. والياء ضمير المتكلم . ( أولا ) ابتداء ( قد ) حرف تحقيق ( أوجبا ) مأخوذ من الواجب والواجب في علم التوحيد هو الذي لا يقبل الانتفاء أصل بذاته ومعنى أوجبا أي حتما ( على ) حرف جر ( المكلفين ) أي من ذكور وإناث, إنس وجن البالغين سن الرشد وللتكليف حدود ونعوت فصلها الفقهاء كبلوغ الثامنة عشر أو الاحتلام أما الملائكة فمعرفة هذا جبلة لديهم فإن قلنا بوجوبها يلزم تحصيل الحاصل وقد ألف الحافظ السيوطي كتاباً منفرداً في إرسال الرسول إلى الملائكة ولكن من جهة التشريف لا التكليف من باب وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين والعالم كل شيء سوى الله تعالى وقد روي أن الرسول سأل جبريل عليه السلام بعد نزول هذه الآية : ( هل أصبك من هذه الرحمة شيء ؟ قال نعم كنت أخشى العذاب فأُمنتُ ) (1)ومنهم ضمير يرجع للمكلفين ( طلبا ) أي طالبا منهم وافعال الطلب كما تقدم النهي والأمر والدعاء ( فائدة ) يشترط في المكلف العقل فبقولنا العاقل خرج السكران بحلال والمجنون ومن بلغ ثم تعود السكر يعاقب, قيل لمدة وقيل أبدا والمجنون حسب ما جن عليه من إيمان وكفر وبقولنا بلغته دعوة النبي قيل النبي المرسل لهم وهو الراجح عندي وقال بعضهم هو مطلق الرسول وعلى الأول فإن أهل الفترة لا يحاسبون لانهم لم يرسل لهم رسول سوى إسماعيل وعندما مات انقطعت رسالته وعلى الثاني انهم مخاطبون برسالة عيسى عليه وعلى نبينا السلام إذا بلغتهم وأجمع أهل العلم أن أصحاب الفترة لا يحاسبوا وإن عبدوا غير الله إلا في بعض الأخبار أن حاتم الطائي وامرئ القيس وغيرهم في النار لا يدل على الحكم على الجميع من أهل الفترة ومن أعظم أهل الفترة الناجين أبواه عليه الصلاة والسلام فقد أحياهم الله له تشريفا ًلقدره فآمنا به وقد قال بعضهم وهو أبي ناصر الدين :
حبى الله النبي مزيد فضل على فضل وكان به رؤوفــا
فـأحـيـا أمه وكــذا أبـــاه لإيمان بـه فـضـلا مـنـيــفا
فـسـلـم فـالقـديـم بـذا قـدير ولو كان الحديث به ضعيفا
وقال آخر :
أيـقـنـت أن أبــا الـنـبــي وأمــه أحـيــاهـم الـرب الكريم البـاري
حـتـى شـهــداء بصدق رسـالـة صــدق فـتـلـك كـرامـة الأبرار
هذا الحديث ومن يقول بضعفه فهو الضعيف عن الحقيقة عاري
وقد ورد في كتب سادتنا الصوفية أن نبي بين سيدنا محمد يسمى خالد وقد ظهر باليمن وأهلكه قومه فمن أراد قصته ففي كتاب فصوص الحكم لسيدي محي الدين بن العربي . وقال البعض بإسلام أبي طالب وشهروا واستدلوا عليه بقول علي أنه قالها يعني الشهادتين لقول النبي : عماه قلها لاجادل عنك أو أخاصم عنك وقد نسبوا هذا البيت إليه :
أرى أن دين محمد من خير أديان البرية دينا
فمعلوم أن الإنسان لا يختار لنفسه إلا الأفضل وكذلك عندما سأل الرسول وهو في المسجد أحد الأعراب أن يدعو لإنزال الغيث فأمطروا جمعة أي أسبوعاً, قال الأستاذ رضي الله عنه :
دعا الله أسقى الخلق غيثاً ورحمةً وسألوه رفع الوبل إذ دام جمعةً
فأتى الإعرابي في الجمعة التالية وسأل الرسول أن يسأل الله سكون المطر فتبسم الرسول وقال لو كان أبي طالب اليوم بيننا لقرت عينه . فقال سيدنا علي أتعني يا رسول الله قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ؟؟
قال نعم, أي يريد تحقيق قوله في ابن أخيه وقد كان .
معرفة الجائز أي والواجب والمستحيل فاعرف المآرب
( معرفة ) المعرفة هي إدراك جازم مطابق للواقع ناشئ عن دليل كقول العالم أن الله واحد . ( الجائز ) هو الأمر الذي يستوي فيه الطرفان ( أي ) أداة تفسير ( والواجب ) الواو عاطفة والواجب هو الذي لا يقبل الانتفاء أصل لذاته . ( والمستحيل ) هو الذي لا يقبل الثبوت أصل لذاته. ( فاعرف ) أي مطلوب منك معرفة ما يجب لله وما يستحيل وما يجوز وكذلك في حق رسله وأنبيائه ( المآرب ) جمع مأرب وهو القصد .
ومعنى واجب هو الذي يرى لا ينتفي بالعقل من غير مرا
( ومعنى ) المعنى هو ما ينطوي عليه الشيء, فكأن سائل سأل الشيخ ما هو *معنى* الواجب فأجاب : ( هو ) ضمير رفع منفصل يرجع للواجب ( الذي ) اسم موصول ( يرى ) يشاهد؟؟؟؟؟؟ ( لا ينتفي ) لا نافية ينتفي فعل مضارع أي لا يقبل الانتفاء أصل لذاته ( بالعقل ) الباء حرف جر والعقل نور الهي متصل شعاعه بالرأس ( من غير ) من حرف جر وغير مأخوذ من التغيير وهو الإبدال ( مرا ) وهو مأخوذ من المراآة وهي إظهار الشيء وإضمار عكسه .
والمستحيل في العقول منعا تصور له فكن متبعا
( والمستحيل ) الواو عاطفة والمستحيل هو الذي لا يقبل الثبوت أصل لذاته . ( في ) حرف جر . ( العقول ) جمع عقل ومن كلام سيدنا علي أن العقل خلقه الله لإقامة المملكة الإنسانية لا لمعرفة ما عليه الربوبية ولا يستقيم نوره إلا إذا خلط بنور الإيمان, أما بغير طائر الإيمان فإنه لا يسمو عن الملموس والمحسوس . ( منعا ) مأخوذ من المنع وهو عدم القبول ( تصور ) تخيل ( له ) ضمير يرجع للمستحيل ( فكن ) فعل أمر يعني أيها المسلم ( متبعا ) أي لسابقك ولا تكن مبتدعاً أي تأت بأمر ما سبقك عليه إنسان بلا أصل كالحشوية وغيرهم .
فواجب أن تعتقد كل كمال لربنا وذلك فرض الإجمال
( فواجب ) أي عليك أيها المكلف ( أن تعتقد ) أي تنطوي سريرتك وتنطق علاينتك ب ( كل كمال ) الكمال ضد أي لا يتصف سبحانه وتعالى بصفة من صفات النقص كالحدوث أو ما تتصف به الحوادث . ( لربنا ) اللام لام الملكية , ربنا أي خالقنا ومربينا بإنعامه . ( وذلك ) ذلك اسم إشارة يرجع لتعتقد ( فرض ) أي شرط لا يصح الإيمان بدونه ( الإجمال ) أي الكلي الذي يطلب من كل مسلم ومسلمة والجاهل به كافر وهو اعتقاد الكمال ونفي النقص .
ثُمَّ عَلَى التَّفصِيلِ عشرُونَ صِفَة نَفسيةٌ وهي الوجودُ واحدة
( ثم ) عاطفة ( على ) حرف جر ( التفصيل ) أي على جهة التفصيل ( عشرون ) جمع تكثير ( صفة ) وهي ما يوصف به الشيء * كالعلم والحلم*, قال عشرون صفة وهي : الوجود, القدم, البقاء, المخالفة للحوادث, القيام بالنفس, الوحدانية, القدرة, الإرادة, العلم, الحياة, السمع, البصر, الكلام, كونه تعالى مريداً, كونه عالماً, كونه قادراً, كونه حياً, كونه سميعاً, كونه بصيراً, وكونه متكلماً, هذا عند الماتريدية وغالبية الأشاعرة, أما عند أبو الحسن الأشعري فهي اثني عشر صفة حذف الوجود وصفات الكينونة وهي تنقسم إلى أربعة أقسام أشار إلى الأولى بقوله ( نفسية ) وهي الصفة أو الحال الثابتة للذات غير معللة بعلة ( وهي ) ضمير يرجع لنفسية ( الوجود ) أثبتها الجمهور صفة إلا أبو الحسن الأشعري فقال هي عين الموجود ( واحدة ) تأكيد يرجع لصفة نفسية .
وخمسة سـلبيـة وهي الـقـدم كـذا البقـاء مخالفات العـدم
( وخمسة ) أي كمهن من حيث الفظ خمسة ( سلبية ) والصفة السلبية هي التي مفهومها سلب ضدها ( وهي ) ضمير يرجع للسلبية ( القدم ) أي عدم أولية الوجود ( كذا ) أي مثل ( البقاء ) وهو عدم الآخرية للوجود, وثبوت البقاء ينفي الفناء فأشار إلى هذا المعنى بقوله ( مخالفات العدم ) المخالفة هي عدم المماثلة و العدم هو الفناء, أي مخالفته للحوادث وسماها الأستاذ بالعدم لأن أولها عدم وآخرها عدم وليس في الكون أجمعه شيء قائم بنفسه فإذا ذاته غير ذواتهم وصفاته وأسمائه .
قيـامـه بالنـفـس وحدانية ضـد الـمـعاني سبعة سنية
( قيامه بالنفس ) تسلب احتياجه للغير ( وحدانية ) أي و من الصفات السلبية الوحدانية وهي عدم التعدد ( ضد المعاني )(1) الضد هو المخالف أي مغاير لما سبق إذ الصفة السلبية تسلب ضدها والصفات الآتية تثبت بعينها لموصوفها تعالى ( سبعة سنية ) أي كمها سبعة وسنية مأخوذ من السناء وه والضوء أي ظاهرة معروفة غير خافية في حقه أو إشارة إلى اتفاق العلماء من الجهتين فيها .
فـقــدرة إرادة كــــلام والعـلـم والحـيـاة يـا غـلام
( فقدرة ) الفاء عاطفة والقدرة هي صفة الإيجاد والإعدام وتتعلق بالممكن ولا تتعلق بالواجب ولا المستحيل, أما إنها تتعلق بالممكن فلأنها صفة تؤثر في الوجود والعدم والذي يقبل الوجود والعدم هو الممكن أما الواجب فهو الذي لا يقبل العدم أصل لذاته ولا أول لوجوده فلهذا وجوده حاصل وعدمه مستحيل والمستحيل هو المعدوم الذي لا يقبل الثبوت أصل لذاته, فعدمه حاصل ووجوده مستحيل, ولها بالممكن تعلقان صلوحي قديم وتنجيزي حادث أما الصلوحي القديم فصلاحية القدرة قبل إيجاد الكائنات للإيجاد والإعدام بعد خلق الكائنات وأما التنجيزي الحادث فإيجاد القدرة وإعدامها الممكن بالفعل بعد إيجاد المخلوقات , وعبروا لقبل إيجاد المخلوقات بالأزل وبعد إيجادها بما لم يزال ولذلك قال الخليفة بابكر :
أعلى التجلي بكنه الذات في الأزل يناله بك يا الله سيدي علي
قال الشيخ عبد الكريم الجيلي : القدرة قوة ذاتية لا تكون إلا لله وشأنها إبراز المعلومات إلى العالم العيني على المقتضى العلمي فهو مجلى تجلي أي مظهر أعيان معلوماته الموجودة من العدم لأنه يعلمها موجودة من عدم في علمه . آهـ
وقال الشيخ محي الدين : إن الله لم يخلق الأشياء من العدم إنما أبرزها من وجود علمي إلى وجود عيني . ( إرادة ) هي صفة ترجح وجود الشيء على عدمه أو عدمه على وجوده وتتعلق بالممكن, وأما عدم تعلقها بالواجب فلأنه مقتضيا الوجود ومنافيا للعدم وأما عدم تعلقها بالمستحيل فلأنه مقتض العدم منافياً للوجود فلا تتعلق الإرادة بهما . ( كلام ) صفة تتعلق بالواجب والمستحيل والممكن ولها تعلق واحد(1) وهو تنجيزي قديم وهو تعلق الكلام في الأزل بالواجب والمستحيل والجائز تعلق دلالة وإفهام . ( والعلم ) العلم صفة تتعلق بالواجب والمستحيل والجائز تعلق إحاطة وانكشاف دون سبق خفاء أو جهل وهو تعلق واد " تنجيزي قديم " ( والحياة ) الحياة صفة أزلية تستلزم الاتصاف بالصفات وأنها لا تتعلق ومعنى عدم تعلقها أنها لا تقتضي أمراً زائداً على قيامها بموصوفها لان معنى التعلق اقتضاء الصفة أمراً زائداً على الذات خلافاً للمعتزلة الذين يقولون بزيادة الصفة عن موصوفها ففي القدرة يقولون قادراً بذاته وليس له صفة زائدة, والصفات المتعلقة ستة فهي القدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام أي صفات المعاني كلها تتعلق إلا الحياة وما بقي من الصفاة لا يتعلق وهي أربعة عشر . ( يا غلام ) يا حرف نداء, غلام منادى مبني على الضم في محل نصب أي يا طالب العلم.
وبصر وسمع ثم سبع تسمى معنوية تنوع
( وبصر ) البصر صفة انكشاف وتتعلق بالموجود سواء كان الموجود واجبا أو ممكنا ولا تتعلق بالمعدوم مستحيلا أو ممكناً ( وسمع ) السمع صفة انكشاف وإحاطة وتتعلق بالموجود سواء كان واجبا أو ممكناً ولا تتعلق بالمعدوم سواء كان مستحيلاً أو ممكناً وكل من السمع والبصر له ثلاث تعلقات صلوحي قديم وتنجيزي حادث, أما الصلوحي القديم فهو صلاحية السمع والبصر في الأزل للتعلق بما سيوجد من الممكنات, ثانيها التنجيزي القديم وهو تعلقها أزلاً بذاته تعالى وصفاته تعلق انكشاف, ثالثها تنجيزي حادث وهو تعلقها فعلا بالممكنات بعد وجودها تعلق إحاطة وانكشاف .
تنبيه : قد علمت أن القدرة والإرادة تتعلقان بالممكن فقط وأن تعلقيهما متغايران لأن تعلق القدرة تعلق تأثير وتعلق الإرادة تعلق تخصيص وأن العلم والكلام يتعلقان بالواجب والمستحيل والجائز وأن تعلقيهما متقابلان لأن تعلق العلم تعلق إحاطة وانكشاف وتعلق الكلام تعلق دلالة وإفهام وأن السمع والبصر يتعلقان بالموجود تعلق انكشاف إلا أن الانكشاف بالسمع يغاير الانكشاف بالبصر كما أن الانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم والله أعلم .
( ثم سبع ) كمها سبع ( تسمى ) يطلق عليها المتكلمون ( معنوية ) هي الصفة التي ثبوتها لموصوفها تابع لصفة أخرى ككونه تعالى مريداً تابع للإرادة, وأسقطها أبو الحسن الأشعري لدلالة صفة المعنى عليها وهي صفات الكون أو الحال وهي اللاموجودة ولا معدومة وأن الصفات المعنوية أمور اعتبارية لابد اعتبارها في الذهن وإن لم يكن لها ثبوت في خارج الأذهان, وإن كان الأشعري ينفي ثبوتها في النفس ألا أنه لا ينفي اعتبارها . والحال ثابتة في الخارج ولا يصح أن ترى وحقها أن تشاهد بحاسة البصر لولا الحجاب . ( تنوع ) التنوع هو التشكل أي فيها اختلاف في ثبوتها بين المتكلمين .
فقـادر مريـد هـو الحـي وعـالــم مـتـكلـم عــلـي
( فقادر ) أي كونه قادر والكون هو الصفة أي وهو قادر بقدرة واحدة موجودة قديمة قائمة بذاته يوجد بها الممكن ويعدمه وفق مراده ( مريد ) أي كونه مريد أي بإرادة واحدة موجودة قديمة قائمة بذاته تتعلق بالممكنات على طبق ما علم حتى المعاصي إذ الإرادة غير الأمر عند أهل السنة . ( وهو ) ضمير يرجع لذاته تعالى ( الحي ) أي كونه حياً بدليل إن لم يكن حياً لما اتصف بالصفات فلا يوجد شي من العالم, وضد الحياة الموت والموت مستحيل, وذهب أجلاء الصوفية وعلمائهم كسيدي محي الدين بن العربي وسيدي عبد الكريم الجيلي وسيدي محمد عثمان الميرغني وسيدي محمد الحسن الميرغني – وقد تخصص في هذا الاسم حتى امتزج به – ذهبوا جميعاً إلى أنه الاسم المفرد, إذ هو أول تعينات الذات ولولا الحياة لما اتصف سبحانه وتعالى بالصفات الأُخر وهي ليست متعلقة بغيره تعالى كما تقدم في صفات المعنى, هذا وقد قال الأستاذ الختم رضي الله عنه مدد طريقتنا في اسم الحي القيوم والصلاة الذاتية . ( وعالم ) أي كونه عالم بالكليات والجزئيات وما كان وما يكون وما لم يكن ولا يقال على علمه يحتاج إلى التأمل أو مما في معنى الجهل, ومستحيل عليه تعالى الظن والغفلة والنسيان والنوم واشتغاله بشأن عن شأن . ( ومتكلم ) أي كونه متكلم بكلام لا بصوت ولا بحرف قائم كلامه بذاته وفي قوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما أي خلق الله فيه فهماً وهو إن لم يكن متكلماً كان أبكماً والبكم محال عليه . ( عليُّ ) أي رفيع المكانة أي لا يساوى بشيء من الحوادث, قال تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وهو السميع والبصير جلا عن ضدها الجميع فاحص النقلا
( وهو ) ضمير يرجع لذاته تعالى أي متصف بكونه ( السميع ) أي سميع بالموجودات إن كانت مسموعات أو سواها ولو لم يكن سميعاً لاتصف بالصمم وهو مستحيل في حقه تعالى . ( والبصير ) أي كونه بصيراً بالموجودات إن كانت مبصرة أو سواها ولو لم يكن بصيراً لاتصف بالعمى وهو في حقه تعالى مستحيل ( جلا ) أي عظم شأنه وتجلت أفعاله عن النقائص ( عن ضدها ) عن حرف جر ضدها أي المغاير لمفهومها كالعلم والمغاير لمفهومه الجهل . ( الجميع ) أي ضد مفاهيم صفاته كالعدم والحدوث والفناء والمماثلة للحوادث وما أتى في القرآن والحديث من ألفاظ مماثلة للحوادث أي يحمل على معنى يليق بذاته تعالى ولأهل الحق فيه مذهبان الأول للسلف وهو التفويض(1) وهو أسلم, والثاني للخلف وهو التأويل(2) وهو أعلم, ونورد هنا بعض الآيات والأحاديث ونأولها على المذهبين لدفع الشُّبه والله الموفق . قال تعالى يد الله فوق أيديهم ويبقى وجه ربك تجري بأعيننا الرحمن على العرش استوى وجاء ربك والملك صفاً صفاً وقال رسول الله : ( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابـع الرحمن. كقلب واحد. يصرفه حيث يشاء ) (1) وفي الحديث القدسي : ( لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع ) (2)وقد اتفق فريقي الحق على تأويل هذه النصوص وصرفها عن ظاهرها وفيها يقول السلف : ظاهر هذه النصوص غير مراد الله بل أراد منها معانٍ أخرى هو تعالى أعلم بها والخلف يصرفونها عن ظاهرها ويحملونها على معانٍ تليق به تعالى ويبينون تلك المعاني, فيحملون اليد في قوله تعالى : يد الله فوق أيديهم على القدرة, ويحملون الوجه في قوله تعالى : ويبقى وجه ربك على الذات, ويحملون العين في : تجري بأعيننا على القدرة والإرادة أو العلم, ويحملون الاستواء في قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى على الاستيلاء والملك, ويحملون المجيء في قوله تعالى : وجاء ربك على مجيء أمر الله, ويحملون الأصابع في قوله : (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابـع الرحمن ) على صفتين من صفاته تعالى وهما القدرة والإرادة ويحملون وسعني في : ( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابـع الرحمن ) على وسع هيبتي والأمانة في قوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض الآية وذهب غير أهل الحق إلى إبقاء النصوص بعينها وعدم تأويلها حتى قالوا أن الله جسم وقال آخرون في جهة نعوذ بالله من معتقدهم, فالأخذ بظواهر هذه النصوص وعدم تأويلها أصل من أصول الكفر فيجب على المكلف أن لا يحيد عن طريق أهل الحق لأنها سبيل النجاة . ومن المستحيل في حقه تعالى الاحتياج للغير والتعدد في الذات وعدم القدرة والجهل والصمم والبكم والموت وكذلك في صفات الكون . ( فاحص النقلا ) الفاء سببية, أحص أي أتقن ولا تزيد على ما قلنا و النقلا أي المنقول من عقائد أهل الحق لأن الوقوف معهم فيه السلامة .
وقد تعـلـقـت إرادة الولي بالممكنات معها قدرة العلي
( وقد ) قد حرف تحقيق ( تعلقت ) أي طلبت أمراً زائداً على قيامها بموصوفها ( إرادة ) هي صفة تخصص الممكن ببعض الأمور المتقابلة عليه ( الولي ) أي المتولي تصريف أمور ملكه بدون معاون ( بالممكنات ) الباء حرف جر, الممكنات جمع ممكن وهو الجائز عدمه وإيجاده ويعبر عنه مرة بالجائز( معها ) أي مرافقة لها ( قدرة ) هي صفة إيجاد وإعدام على وفق مراده تعالى ( العلي ) هو اسم من أسماءه تعالى .
بكل معلوماته تعلقا العلم والكلام فاحفظ ترقى
( بكل ) الباء حرف جر, كل أي جميع ( معلوماته ) أي الموجودة في علم الله تعالى من واجب وجائز ومستحيل ( تعلقا ) أي طلب أمراً زائداً على قيامها بموصوفها ( العلم والكلام ) أي تعلق علم الله تعالى الذي ليس مسبوقاً بجهل وكلامه الذي لا بحرف ولا بصوت تعلقا بكل من الواجبات والمستحيلات والجائزات ( فاحفظ ) ما قلته لك واعتقده واعمل به ( ترقى ) أي ترتفع عن الدرجة التي أنت فيها إلى درجة معرفة الله تعالى, أي تصير من الموحدين الذين يعرفون ربهم .
تعلق السمع كذاك البصر بكل موجوداته تبصر
( تعلق ) أي طلب السمع والبصر أمراً زائداً على قيامهما بموصوفهما ( السمع ) وهو لا بثقب ولا بأذن بكل موجود سواء كان مسموعاً أو غير مسموع وسواء كان واجبا أو ممكناً ولا يتعلق بالمعدوم سواء كان ممكناً أو مستحيلاً وله تعلقات ثلاث كما تقدم أحدها صلوحي قديم وثانيها تنجيزي قديم وثالثها تنجيزي حادث فأن أردت التوضيح عليك بمراجعة صفات المعاني ( كذاك ) أي وأيضاً ( البصر ) الذي لا بحدق ولا بغيره يتعلق بالموجود سواء كان واجباً أو جائزاً ولا يتعلق بالمعدوم سواء كان ممكناً أو مستحيلاً ولها ثلاث تعلقات كما تقدم في صفات المعاني ( بكل ) أي بجميع ( موجوداته ) أي كل ما أوجده إن كان واجباً أو ممكناً ( تبصر ) أي انظر نعين بصيرتك .
أمـا الحيـاة لا تعـلـق لـها وكل نقص أنف عن رب النهى
( أما ) أما، بالفتـح، فهو لافتتاح الكلام كما في لسان العرب ** ( الحياة ) أي صفة الحياة ( لا ) نافية ( تعلق )اقتضاء الصفة أمراً زائداً على * قيامها ب *موصوفها ( لها ) ضمير يرجع للحياة, أي أن الحياة لا تتعلق بشيء سوى قيامها بموصوفها تعالى ( وكل ) أي جميع ( نقص ) أي كل شيء ينقص عن قيام الذات بوظيفة الربوبية من بكم وتعدد في الذات وعمى . . . الخ . ( أنف ) أي منفي أو لا مثبت أي لا تعتقده ولا تقره ( عن رب ) عن حرف جر, رب أي مربي الخلق بالنعم الظاهرة والباطنة وقد ذكرنا الاختلاف فيها سابقاً ( النهى ) أي صفاته الكمالية لا تتناهى ولا يحيط بها الحد ولا يسعها علمنا, وإنما كلفنا حسب علمنا بالعشرين وأما كمالاته فلا تتناهى .
واخش اعتقاد الجبر والحلول والاتحاد لا تكن فضولي
( واخش) أي تجنب ( اعتقاد ) أي عقيدة ( الجبر ) أي الجبرية وهو قوم الفئة الضالة وعقيدتهم أن العبد مجبور ظاهراً وباطناً وضربوا له مثلاً بالخيط المعلق تميل به الريح من غير اختيار له ومرادهم من ذلك إسقاط التكاليف الشرعية. ( والحلول ) أي الحلوليين وهم قوم أيضاً من الضالين وهم يعتقدون أن الله حل في عيسى وأمه فجعلوه ثالوث, أم وابن وروح القدس, فالمولى جل وعلا أن يحل في شيء أو يحل فيه شيء ولهذا المعنى أشار سيد الطائفة الجنيد رضي الله تعالى عنه : إذا قرن الحادث بالقديم لم يبق للحادث أمر مستقيم . ( والاتحاد ) وهو الامتزاج بحيث لا اثنينية وهو كذلك عقيدة للنصارى حيث قالوا أن الله اتحد مع مريم فاخرج عيسى وهي عقائد تؤدي بصاحبها إلى الكفر بعينه ولهذا نهى عنها الشيخ لأن لا يتبعها المسلم فيهلك ونعوذ بالله منها, ولا يباح لاحد من المسلمين الاطلاع على معتقداتهم حتى تكون عقيدة أهل السنة متمكنة من قلبه فهناك يباح له الاطلاع للرد عليهم . ( لا ) ناهية ( تكن ) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ( فضولي ) أي متدخلاً فيما لا يعنيك ولا أنت مطالب به .
ومن حكـم بالعلة أو بالطبع
أو بالقوى لكفـره مستدع
( ومن ) من اسم موصول بمعنى الذي ( حكم ) أي قال ( بالعلة ) أي ربنا علة أو كقولهم بعض الأشياء علة في وجود أشياء أُخر من غير أن يكون لله سبحانه وتعالى اختيار وتأثير. (أو ) أداة عطف. ( بالطبع ) أي أن الأشياء تؤثر بطبعها من غير أن يكون لله تعالى إرادة واختيار كفعل الحرق للنار والقطع للسكين والري للماء والشبع للطعام وهي عقيدة الدهرية قديما والشيوعية حديثاً وصاحبها كافر. (أو بالقوى )وهي قول من قال أن الأشياء لما خلقها الله تعالى أودع فيها قوة الفعل وتركها تفعل بقدرتها المودعة فيها من غير احتياج لقدرة الله تعالى فكأن المولى جل وعلا مارس التصرف في خلقه مرة واحدة ثم ترك الخلق يفعلون ما يشاءون وهي من عقائد المعتزلة والمشهور من قول المشايخ فيهم أنهم ليسوا بكفار وإن كانوا يبدعون ويفسقون بالعقيدة. ( لكفره مستدع ) أي جلب الأسباب التي تكفره باعتقاده الباطل الفاسد.
لأنه يميل للتسلسل
والدور وهو خاسر مزلزل
( لانه ) اللام لام التعليل وأن حرف مصدري ونصب والهاء ضمير يرجع لصاحب المعتقدات الثلاث. (يميل ) أي يتطلب ( التسلسل ) هو عدم الآخرية ويلزم حوادث لا أول لها كاعتقاد الفلسفي أن العالم قديم لا أول له مع أنه حادث. ( والدور ) هو توقف وجود الثاني على وجود الأول وهو يلزم تقدم المحدث وتأخره. ( وهو ) ضمير يرجع للذاهب للدور والتسلسل. ( خاسر ) أي افتقد دينه ودنياه. (مزلزل ) أي غير ثابت العقيدة في ربه سبحانه وتعالى.