مصطفى علي Admin
عدد المساهمات : 31 تاريخ التسجيل : 19/08/2008 العمر : 36
| موضوع: الرسائــــل الميرغنيـــــــة . الأربعاء 3 فبراير - 21:41:51 | |
| الرسالة الأولى تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء
تأليف
سيدي عبد الله الميرغني المحجوب
نبذه من ترجمة المؤلف
هو عفيف الدين أبو السيادة عبد الله بن إبراهيم بن حسن بن محمد أمين بن علي ميرغني الحسيني النسفي البخاري الأصل المكي ثم الطائفي الحنفي المحجوب شيخنا القطب ، ولد بمكة وبها نشأ وحضر في ميادين دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع مع قطب زمانه السيد يوسف المهدلي وكان أوحد عصره فانتسب إليه ولازمه حتى رقاه ، وبعد وفاته جذبته عناية الحق وأورثه من المقامات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسائط وسقطت الوسائل فكان أويسيا تلقينه من حضرة جده صلى الله عليه وسلم كما أشار إلى بعض ذلك ، وظهرت كراماته وبهرت إشاراته أول ما اجتمعت به بمكة برباط الزمامية ، وذلك في سنة 1163هجريه فلاحظني بأنظاره العلية وشملتني نوافح أنواره البهية ، ثم عدة إلى اليمن ثم وردة مكة سنة 1166 والمترجم له كان انتقل إلى الطائف بأهله وعياله وذهبت إليه ولازمته ملازمة العبيد للأسياد وتشرفت بسماع ما يلقيه من فوائده العالية الإسناد وأمرني بكتابة ما تيسر من مؤلفاته فكتبتها بخطي وحررتها بضبطي ، وقد أجازني بكل ما عنده ، فطلبت منه مرة إسناد كتب الحديث فقال عني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه أويسي المقام ، ومآثره شهيرة ومفاخره كثيرة وأحواله في احتجابه عن الناس مشهورة ، وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة فلا حاجة للإطالة بها .
المقدمـــــة :
الحمد لله الذي أبدع هذا النظام ، على أحكم وجود الانتظام ، وأتقن هذا الوجود ، لنظام الدر المنضود ، وجعل ظاهره عنون باطنه ، وباطنه جامع لأسراره ومعادنه .
أحمده أن جعل قواعد ملكه الظاهر ، مظاهر معاقد ملكه الباطن الفاخر ، فما من شيء من لوازم الملك الموجود ، إلا مثله وأعظم في ملكه المشهود ، وما ذاك إلا لاقتضاء الملكين ، لزوم هاتين القاعدتين ، وأشكره أن جعل الوسائل والأسباب والأبواب ، مفاتيح للوارد والطلاب والرغاب .
وأصلي وأسلم على الوسيلة العظمى ، والباب الأعظم الأسمى ، والسبب الأفخم الأحمى ، وعلى الوسائل والأسباب ، وسائر الأسباب والأنساب ، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة مؤمن بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ، وأشهد أن محمداً رسوله شهادة موقن بنفع الوسائل وفضل ذي الفضيلة
وبعد فهذه كلمات وضعتها في لزوم التوسل بالأنبياء والأولياء ووجوب الاستغاثة بالأتقياء والأصفياء ، كما مر عليه عامة السلف والخلف ، ومشى إليه أولي العلم والفضل والشرف ، وأصول منهجهم ثلاث آيات ، وكثير إشارات وأحاديث صينات ، وكثير أخبار وآثار زينات ، ونتكلم على كل آية بما يفتح الوهاب ، من هاتيك الأبواب ، وليس بواسطة تلك الأسباب فنقول :
المقصد الأول من الآيات
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ، أعلم أن الوسيلة قسمان : قديمة ، وحادثة ، فالقديمة هي ذات الله تعالى وصفاته وأسماؤه وكلامه ، فالتوسل بها لا يتوقف فيه إلا ملحد أو جاحد عنيد متمرد ، والحادثة العظمى منها : هو سيدنا رسول الله ، وأنبياؤه وملائكته وأصفياؤه وأولياؤه والتوسل بهم ثابت وواقع من ابتداء الوجود إلى انخرامه في تحليل كل خطب وانبرامه . والنداء لهم والاستغاثة بهم والنده لهم كذلك ، لا ينكره إلا أعمى البصر والبصيرة ، وكيف ينكر ما وقع من كثير لكثير من الصحابة والتابعين والعلماء الراسخين والأولياء العارفين ، وسيما ما نظموه ونثروه ، وهل هذا الإنكار إلا من عمى البصائر والأبصار ؟ أو من الجهل بالبراري والأبحار أو الشموس أو الأقمار ، ومعاذ الله أن ينكره معترف ، أو من بحار إيمانه مغترف ، ولا شك أن الأصل في الأمر الوجوب ، والتوسل لازم مؤكد محبوب ، ولا يتوصل إلا به إلى المطلوب فهو من المطلوب ، وفي نهج السعادة قال: صلى الله عليه وسلم ((توسلوا بي وبأهل بيتي إلى الله فإنه لا يرد متوسل بي وبأهل بيتي إلى الله لا يرد متوسل بنا )) وقد استغاث عمر بالعباس وكان ابنه ينده لسيد الناس أجمعين صلى الله عليه وسلم ، وإذا لم تقع الوسائل في الملمات والنوازل فما من ذي الوسيلة ، وما من هاتيك الحيلة ، وأي والله لها وأي فضيلة ، وقد ظهرت فضائلها وفواضلها في كل ذلك ظهور الشمس في ضاحية النهار ، حتى لم يكن على ذلك عند أربابه غبار .
المقصد الثاني
قال الله تعالى : ( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا * أعلم أن البيوت نوعان : حسية ومعنوية وهي أماكن القصد والأمنية ، فأبوابها كذلك ، ولا شك أن الباب الأعظم هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رسل الله وأنبيائه وملائكته وخواصه وأولياؤه والإتيان إليهم بوجوه : منها الزيارة ، ومنها الاستغاثة والنداء عند الغارة ، ومنها اللجأ والنده عند حلول الضيق في المحارة ، وإذا نفعت إغاثة اللهفان ولو كان من كان ، فلأن تنفع إغاثة ذي الشأن ، عند من ]كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أولى ، وهذا الأمر أيضاً للوجوب ، وكيف لا يكون كذلك والسلطان المجازي الصوري العدمي مرتب ملكه على هذا الترتيب ، ومحدد بحدود وأساليب وأعاجيب وأبواب ودساتير ومحابيب ، حتى أن من جاء على خلاف مراده ، لا يرضاه ولو كان من أهل وداده لأن بغير هذا الترتيب والنظام لا يتم الانتظام ، ولا يكون التمام ، وهذا من بديع الاصطناع ، ورفيع الاختراع ، وعظيم شأن السلطنة وخطير شأو المشانة ، وكذا رأي كثير منا ما من طرق الباب الأكبر رده إلى الأصغر ، كما يقع كذلك من الملوك المحازية بالفعل وهل هذا يوجب نسبة الملك إليهم فضل عن الربوبية ، معاذ الله أن يقول بهذا إلا أخرق أو عديم حواس أكمه أحمق ، بل هذا أثبت في الإقرار بعظيم الربوبية ، وأعظم في الاعتراف بالشئون التوحيدية ، فإن الملك العظيم والسلطان الفخيم ، يهب من يشاء من خواصه من التصريف ، والحل والعقد والتحريف ، بقوة سلطانه وعزة قدرته وشأنه ، لتكثر سلاطينه ، وتظهر براهينه ، فتدبر في هذا بعين الإنصاف ، ودع التعصب والإعتساف .
وإذا علمت ذلك وتحققت لما هنالك قطعت بأن خلافة خرق العادة وإكرام للسادة وإغواء وإملاء لذوي الجحادة ، وفقنا الله على الوقوف على حدوده ولا جعلنا ممن تعدها إلى جحوده ، وغمر في وحله وكفره ونكده كما قال سبحانه ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) .
المقصد الثالث
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) هذه الآية نظير الحديث القدسي ((كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف )) فانظر كيف علل الخلق في النوعين بالتعريف للتشريف لكل عين ، وما ذاك إلا أن الأتقى نائبه بخلافة ، وكذا ، خلق آدم على صورته ، وذلك ليعرف الخلق مقدار النواب وأنهم الوسائل والأسباب فيأتونه من هذه الأبواب ، ولا يأتونه من وراء حجاب ، ولا يبادرونه بخطير الخطاب ، فيردون إلى المخاف ولا يقفون على مطلب كما هو العادة فيمن جاء من غير باب وتدبر في قوله تعالى (( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، إلى أن قال: ولئن سألني لأعطينه وإن استعاذ بى لاعيذنه )) الحديث القدسي تجده يقول : هو حضري فأندها ، وخليفتي فأربها ، وإن لم تدرك هذا فقل إنه مجاب ومعطى ، وباب فألجأ إليه لئلا لا تجاب ، وأنده في كل خطب عجاب : وهذا من عظيم تفضلاته وجليل مكارم هباتي : أجود بنفسي وبواسطاتي ، وأفيض محاسني وصلاتي ، فله الحمد على ذلك ، وله الشكر هنا وهنالك ، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس ، ولا يعبده من بنى على غير أساس ، ولا يصله من سار في غير قسطاس ، ،ولله مقاليد السموات والأرض ، ولا تفتع إلا بمفاتيحها ، فأفتح بصرك يا خفاش وقل (كل شيء عنده بمقدار) وله أبواب وسبل وأقطار ، فلا ينزل المدد المدرار إلا من قنواته في سائر الأماكن والأعصار ، فكم شوهد خيبة من فعل خلاف ذلك ، وتعسه من جهل ما هنالك ، وعن هذا قلت صاح مهما ضقت زرعا فاستغث بالأولياء ينزل القصد سريعاً راغماً للأشقياء
ولهذا يتبين لك وجوب التعلق بالوسائل والأسباب ،وتأكد لزوم التزام الوسائط والأبواب فتعلق بالوسائل والأسباب وألجأ واستغث وأنده لخواص الله والأحباب ، واطرق لدى الخطوب ما شئت من الأبواب ، تنل بذلك من فيض فيض الوهاب ، ما لا يدخل في حساب ، ولا يرقم في كتاب ، مما ربطه الحكيم الوهاب ، بالوسائط والأسباب ، وتكن مؤمن كاملاً ، وموقناً تاماً يقيناً وصدقاً كما حكى الله تعالى عن أهله بقوله: ) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ( وتبرأ من كفر من حكى عنه بقوله )وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ( وهذا مذهب عامة السلف والخلف ، وعليه عمل الكل في كل وقت وحين وغرف ، فعليك به وبرهطه وحزبه ، وإياك ما ذهب إليه جلف العلماء وقلف القلوب ألو العمى ، ولا تفتتن بتزويفاتهم وتنميقاتهم واستدلالهم بالنقل والعقل ، وقوله : إن هذا من الشرك . وما ذاك منهم إلا أنواع من الكفر والإفك والحسد والأشر والكبر والبطر ، ويكفي أنه لا يوافق على ذلك إلا كل متكبر مجتري خائب محروم مما هنالك يكفر ، في الواقع تعرف البون هو الفرق بين الفريقين ، وتقطع بشرف فاعل ذلك ، وبتعس منكر ما هنالك ، ويكفي المحروم الحرمان ، ولو لم يكن إلا الرجوع إلى ذلك ، رغماً كما وقع لكثير لدى اشتداد الخطوب حتماً لكفى في فتح أبصار كل منكر أعمى ، لكن من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، ومن يقوى لعظم أنواع العذاب والطرد والضرب ؟ إذ قال تعالى (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) إلا كل متكبر عنيد جبار كما قال سبحانه ) فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (
فإن قلت: إن أردت الوجوب الثبوت فظاهر لكنه خلاف السياق والظاهر ، ولا قائل به . قلت: هو مقتضى قواعدهم وإن لم ينصوا عليه ، نعم تدور عليه الأحكام الستة كالدعاء ونحوه لاختلافه باختلاف المقاصد ، والله أعلم
تنبه : لعلك تقول : التصرف من لوازم الحياة ، وبالموت يزول ، فكيف يمكن أن يدول ؟ فأقول: هم أحياء عند ربهم ، وحضور لدى ملهم ، فيتصرفون بحول من له الحول ، وله القوة والطول ، وكم شوهد مما لا يحصى ، ولا يعد فيستقصى ، حتى لقد خرج البعض من قبره جهاراً ، وقضى لقاصده ومناديه أوطاراً فإن قلت: هذا القطب الأكبر والغوث الأعظم الأفخم الشيخ شمس الدين الحنفي قدس الله أسراره يقول: إذا مات الولي انقطع تصرفه في الكون وعدم الإمداد للزائرين ـ فإن حصل مدد للزائرين وقضاء حاجة فمن الله على يد القطب ، ومنه أخذ أجلاف العلماء انقطاع تصرف الأموات الأولياء الكرماء
فأقول: لا شك في أنهم أحياء وتصرفهم أظهر من الممات والمحيا ، وكم وكم مما به الله أحكم ، وله في ذلك كم من حكم حتى أرشد بعضهم مريده جهاراً ، وصافحه ولقنه نهاراً ، كما خرجت اليد الشريفة للسيد الرفاعي ، وكم انتفع بعض المريدين من شيخه بعد مماته أكثر من حياته ، وكم دخل في طريقته كذلك ، وما ذاك إلا مما هنالك ، وكيف والشيخ نفسه يقول: من له حاجة فليأتي قبري ويطلب فإنها تقضى إلى أن قال: من حجبه عن أصحابه زراع فليس برجل ، وكم غيره قال ذلك وأعظم من ذلك ، وإنما قال بالانقطاع لما شوهد من خصوصيته بذلك في وقتها ولا مانع لكثير مزايا المعطي المانع ، لا أن ينقطع مطلقاً ، والمشاهد خلافه ، وفي الحديث عن أبي جرى جابر بن سليم t قال: (( رأيت رجلا يصدر الناس عند رأيه لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين ، قال: لا تقل عليك السلام ، عليك السلام تحية الموتى قل: السلام عليك ، قال: قلت أنت رسول الله ؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك ، وإذا أصابك عام سنةٍ فدعوته أنبتها لك ، وإذا كنت بأرض غفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك )) ، الحديث ، فهذه الأوصاف يمكن أنه أراد بها الله ، وهو الظاهر ، ويمكن أنه أراد نفسه وأراد بذلك النداء له في الخطوب فيسرع بتفريج الكروب ، ومن هنا قال السيد الحبر t وأمدنا بمدده ، ونفعنا بجواره ومدده آمين آمين إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى وباكرني في حاجة لم يجد لها سواي فرجت بمالي من همة من مقامه وكان له فضل علي بظنه
وأعمل فكر الليل والليل عاكر ولا من نكبة الدهر ناصر وزايله هم طروق مسامر بى الخير إني للذي ظن شاكر
وهذه الأبيات أثرها ظاهر في كثير الأوقات ، وكم كانت له بها كرامات ، وهي من المعجزات لسيد السادات r
خاتمة
أعلم يا أخي هداني الله وإياك ، ولا أعماني ولا أصماك ، أن أهل البيت النبوي قسمان ، صوري حسي ، ومعنوي إنسي ، فالقسم الأول معروف ، وبالشرف بين الأنام موصوف ، والقسم الثاني هم أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله ، وقد ألحقهم بالأول سيدنا رسول الله r في الفضل والشرف وبأهل البيت بقوله (( سلمان منا أهل البيت )) وقد جرت عادة الله في أجلاف العلماء والكبراء والعظماء بالحقد عليهم حسداً لهم بما أوتوا من الشرف الأعلى والمظهر الأغلى والظهور الأجلى والطهور الأحلى ، وكل ذي نعمة محسود وكل حاسد مطرود ، وعن الخير مبعود ، وفي الشر ممدود ، ومن آذى أولياء الله فقد حاربه الله ، ومن حاربه خسر دينه ودنياه ، وانقلب وجهه قفاه ، ورجع القهقرى إلى الوراء ، وأنشد لسان حالهم فيه : نحن بالله عزنا لا بمال ومنصب كل من رام ذلنا حسبنا الله والنبي
وقال فيه تصديراً وتعجيزاً نحن بالله عزنا عز من كل مركب كل من رام ذلنا حطه الله فارقب وبطه افتخارنا لا بمال ومنصب والنبي إن سهمنا حسبنا الله والنبي
وأرغمه بقولي منشداً على لسان حالهم نحن الملوك لا تنقص iiعزئمنا نحن الفوارس في العلياء بلا ريب نحن الأعزة عند الله iiأجمعنا نحن الغياث لمن ضاقت iiمذاهبه نحن الذين لهذا الكون ذو مدد نحن الذين من بداهم بالأذى iiله نحن الذين لهم جاه له iiسعة من رامنا في خطوب حل معضلها يا منكراً عاذلا من أحب لنا النعم تعرفنا ثم الجماد لها خير الوجود دعي كيف iiتنفعنا يكفي لنا شرفاً ما فوقه شرف تحية الملك الأعلى ورحمته والآل والصحب ما لاحت بروق ربا
فمن يكن في الناس أو iiيرم ميداننا لم يحمه كل iiمتهم فاقصد لنا إن ترمه غير منفصم فاهتف بنا إن تضق وإن تكن تضم يناله من دنا أو نأى فعمي حرب من الله من يقوى له يقم لكل من يخشى في الكون من إضم وما رامنا بسوء صاح واندمي يكيفيك حرماننا إذا كنت أنت iiعمي شوق إلى مربع كنا به قدم محيا مماتاً وحشرا ًفاستفق وهم فأبصر هديت لما أوليت من نعم على محمد المحمود في القدم وفاح نشر الحمى من ذلك العلم
أولم يتأدب الحاسد الفاقد والجامد الخامد المطرود الراقد والمعبود الشاهد والمشاهد فيمن قال في حقه ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( وقال ) لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ( وقال ) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (*) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( وقال بلسان نبيه r (( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) إلى غير ذلك مما لا يذكر ، وما خفي كان أكبر ، وقد كانت هذه الكلمات في بعض السويعات ، وهي بحسب ما جرى على الخاطر ، وما ورد من الإله الفاطر ، وإلا فلو تتبعنا النقول لحار في تبيان سردها العقول ، ويكفي ذو اللب والإحساس آية ) ولو لا دفع الله للناس ( وعنها قال الأناس (( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )) وبيان آية بأقصر الوجوه أن الدافع هو النفع وهو حسي ومعنوي ، والمدفوع الذي هو الفساد كذلك ، فالصوري ما عبر به بقوله تعالى ) لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ( والمعنوي ما أشار إليه بقوله سبحانه ) هُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ ( إلخ ، ومن المعلوم المشاهد المفهوم أن كل من حدث له شيء من نوائب الملك رجع إلى خاصته المخصوصة به ، وتوجه وتوسل بوسيلته وحزبه وهكذا فأفهم معاني النقول والمعقول ، لا كما احتج به الأجلاف واستدل به الأطراف ، فإنهم ما حاموا حوله فما عرفوا ، ولكن بعقولهم الفاسدة حرفوا وصرفوا ، فنعوذ بالله منهم ونعوذ ، ونلوذ إليه من أفعالهم ونلوذ ، أما علموا أن نتائج أفعالهم تكفير أكثر العلماء بأفعالهم ، فقبحهم الله تعالى وأخزاهم ، أما فهو أن آحاد أتباع الملوك المجازية لا يجتري أحد أن يقل أدبه معهم في قضية ، فكيف بخواصه السمية ، فضلا عن خواص الحضرة العلية ، لكن شأن الحمير والبقر ، أن تنفر وتنطح بلا نظر ، بل هي لو تدبرها العاقل لأراها في غالب أحوالها تتبصر ، وفي جل حركاتها وسكناتها تتمر ، فمن لا يساوي البقر والحمير ، لا ينفعه خمير ولا فطير ، ولا يفيد خطير ولا حقير .
واعلم يا أخي أن إنكار ذلك من ضعف اليقين ، وسخف الإيمان والجرأة على اليمين ، وسيما في هذا الحين ، الذي ذهب فيه الدين ، وعودي وهي من الخلق المهين ، فإن غالب أدلة السوى عندهم الحلال والحرام والمحاسن والملام والخبيث والطيب والقبيح والحسن ، بل قد افتخروا بالفواحش ، وتكبروا بالدناءة والنواهش ، فلا بدع أن ينكروا ذلك ويشكروا ما هنالك ، وهذا الأمر مشاهد محسوس ، ولا ينكره إلا كل أعمى مطموس ، وممن في قبائحه وفضائحه منكوس مغموس وقد أخبر بهذا الصادق المصدوق بأحاديث لا تحصى ، و، أخبار لا تستقصى ، ويكفي ما رواه البيهقي في الشعب عن علي t قال: قال رسول الله r (( يوشك أن يأتي للناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، علماؤهم شر من تحت أديم السماء ، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود )) وهذا مصرح برفع معالي هذه الأشياء وأسرارها والمقصود منها وإن وجدت صورته ، ومن تدبر أحوال هذا الوقت رأى الأمر كذلك بلا شك وأن ما هناك منفك ، وعنه قلت ما في الزمان من العكوس لم لا ودين أهيله ثم النحوس مع النكوس تلك الدراهم iiوالفلوس
وقلت في بعض المنفرجات تباً لعباد قد عبدوا فالدنيا الدنيا دينهم آه منا ولنا ماذا صنم الأهواء على عوج والله وأحمد في الهيج يختار الأعوج من نهج
واعلم أن قوة التعلق بالوسائل والأسباب ، شدة ربط القلوب بالأسباب والأبواب من قوة الإسلام والإيمان وصلابة الدين والإيقان ، ووهن هؤلاء ووهن ذلك ، عاد كل بضد كل ذلك ، وما زالت الناس بخير ما قوي الكل ، وما عظم الجزء مع القل ، وما أكثر شر الزمان وضره ودنسه وغثائه ومره إلا بوهن ذلك ، وهذا شاهد لمن تدبر وتفكر وتبصر ، فتدبروا يا ذوي الأفكار ، واعتبروا يا أولي الأبصار ، قولوا الأمر لله الواحد القهار ، اللهم أهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وقنا شر ما قضيت ، اللهم آمين هذا : وقد جرى الإلهام بتسمية هذا الكلام (تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء ) وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم قال في الأم وكان الفراق من نسخها يوم السبت 19 ذي القعدة سنة * 1255 هجرية على يد أفقر الناس إلى ربه المجيد محمد صالح بن محمد عباس محمد سعيد سنبل بن محمد سنبل فقيه بالمروة غفر الله له ولجميع المسلمين آمين آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام الحافظ الخطيب أبو بكر أحمد بن على خطيب بغداد رخمه الله تعالى ، رسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصةً ولغيره عامة ما أقول نصيحة مني له وغيرة عليه وهو أن يتميز عمن رضي لنفسه الجهل ، ولم يلزم فيه معنى يلحقه بأهل الفضل ، وينظر فيما أذهب فيه معظم وقته وقطع به أكثر عمره من كتب حديث رسول الله r وجمعه . ويبحث عن علم ما أمر به من معرفة حلاله وحرامه وخاصه وعامه وفرضه وندبه وإباحته وحظره وناسخه ومنسوخه وغير ذلك من أنواع علومه قبل فوات إدراك ذلك فيه ، وروى بإسناده إلى الشافعي أنه قال: تفقه قبل أن ترأس فإذا ترأست فلا سبيل إلى التفقه . وروى بإسناده إلى أبي محمد المروزي قال: كان يقال إنما تقبل الطينة الختم مادامت رطبة ، أي أن العلم ينبغي أن يطلب في طرءة السن ، وقال جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عمر t أنه قال: تفقهوا قبل أن تسودوا ، ثم صاغه بإسنادين له أحدهما من طريق ابن سيرين عن الأحنف بن غيث عن عمر ، والآخر عن الحسن عن الأحنف عن عمر قال والصواب : عن ابن سيرين كما ذكرنا أولاً والله أعلم قال وقال أبو عبيدة في حديث عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا ، يقول: تعلموا العلم ما دمتم صغاراً قبل أن تصيروا سادةً رؤساء منظور إليكم ، فإن لم تتعلموا قبل ذلك استحيتم أن تتعلموا بعد الكبر فبقيتم جهالاً تأخذونه من الأصاغر فيزري ذلك بكم ، وهذا شبيه بحديث عبد الله : ((لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا )) قال أبو عبيدة : وفي الأصاغر تفسير آخر بلغني عن ابن المبارك أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع ، ولا يذهب إلى السن ، ثم ساق بإسناده إلى أبي أمية الجمحي قال: سئل رسول الله r عن أشراط الساعة قال: لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم علمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا )) وروى بإسناده إلى عبد الله بن مسلم بن قيبة الدينوري ((قال سألت عن قوله لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، يريد لا يزل الناس بخير مما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه ميعة الشباب وجدته وعجلته وسفهه ، واستصحب التجربة والخبرة ولا يدخل عليه في علمه الشبهة ولا يغلب عليه الهوى ولا يميل به الطبع ولا يستنزله الشيطان استنزال الحدث ، ومن المسن الوقار والجلالة والهيبة ، والحدث تدخل عليه الأمور التي أمنت على الشيخ ، فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك : قال الخطيب رحمه الله : ولا يقتنع أن يكون راوياً حسب ومحدث فقط وروى بإسناده إلى على بن موس الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه أن رسول الله r قال: ((كونا دراة ولا تكونوا رواة حديث تعرفون فقهه خير من ألف ترونه )) وروى بإسناده إلى الربيع بن سلمان قال: سمعة الشافعي ، وذكر من يحمل العلم جزافاً ، فقال : هذا مثل حاطب ليل يقع حزمة حطب فيحملها لعل فيا أفعى فتلدغه وهو لا يدري . قال الربيع عنى الذين لا يسألون عن الحجة من أين ؟ وروى بإسناده إلى أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: سئل بعضهم متى يكون الأدب ضاراً ؟ قال إذا انقطعت القريحة وكثرة الرواية قال: أخبر القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي ، أنا أبو لحسن محمد بن جعفر التميمي الكوفي قال: قال لنا أبو العباس بن عقدة يوماً وقد سأله رجل عن حديث فقال : أقلوا من هذه الأحاديث فإنها لا تصلح إلا لمن علم تأويلها ، فقد روى يحيى بن سليمان عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول : كثير من هذه الأحاديث ضلالة لقد خرجت من أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سواطين وأني لم أحدث به ، ولعله يطول عمره فتنزل به نازلة في دينه يحتاج أن يسأل عنها فقيه وعسى أن يكون الفقيه حديث السن فيستحي أو يألف من مسألته ويضيع أمر الله في تركه معرفة حكم نازلته ، وروى بإسناده إلى عمر t أنه قال: قد علمت متى صلاح الناس ، ومتى فسادهم ، إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا ، وإن أدركه التوفيق من الله وسأل الفقيه لم يأمن أن يكون بحضرته من يزري به ويلومه على عجزه في مقتبل عمره إذا فرط في التعليم فينقلب حينئذ واجماً ، وعلى ما أسلف من تفريط نادماً ، وروى بإسناده إلى محمد بن عبيد قال: جاء رجل وافر اللحية إلى الأعمش فسأله عن مسألة من مسائل الصبيان يحفظها الصبيان فالتفت إلينا الأعمش وقال: أنظروا إلى لحية تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث مسألته مسألة الصبيان : قال وليعلم أن الإكثار من الحديث وروايته لا تصير الرجل فقيهاً وإنما تفقه باستنباط معانيه ، وإمعان التفكر فيه ، وروى بإسناده إلى مالك بن أنس أنه قال: لابن أخته أبي بكر وإسماعيل بن أبي أويس : أركما تحبان هذا الشأن وتطلبانه ؟ قالا: نعم ، قال: إن أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقها ، وروى بإسناده إلى الأعمش قال: لما سمعت الحديث قلت : لو جلست إلى سارية أفتي الناس : قال: فجلست إلى سارية فكان أول ما سألوني عنه لم أدري ما هو . وروى بإسناده إلى ابن خلاد قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن سهيل قلت : حدثني رجل ذكره أهل العلم ، قال خلاد فأنسيت أنا اسمه ، قال: وقفت إمرة على مجلس فيه يحي بن معين وأبو خثيمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث فسمعتهم يقولون : قال: رسول الله r ورواه فلان ، وما حدث به غير فلان فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى ، وكانت غاسلة فلم يجبها أحد منهم ، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض ، فأقبل أبو ثور فقالوا لها : عليك بالمقبل فالتفتت إليه وقد دنى منها فسألته فقال : نعم تغسل الميت لحديث القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال لها (( إن حيضتك ليست في يدك ، ولقوله كنت أفرق رأس رسول الله r بالماء وأنا حائض )) قال: أبو ثور : فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى ، فقالوا: نعم ، رواه فلان وحدثناه فلان وفلان ويعرفونه من طريق كذا وخاضوا في الطريق ، فقالت المرأة : فأين كنتم إلى الآن ؟ وإنما أسرعت ألسنة المخالفين إلى الطعن على المحدثين لجهلهم أصول الفقه وأدلته في ضمن السنن مع عدم معرفتهم بمواضعها ، فإذا عرف صاحب الحديث بالتفقه خرست عنه الألسن ، وعظم محله في الصدور والأعين ، وخشي من كان عليه يطعن . وروى بإسناده إلى وكيع قال: قال: لقيني أبو حنيفة فقال لي : لو تركت كتابة الحديث وتفقهت أليس كان خيراً ؟ فقلت: أفليس الحديث يجمع الفقه كله ، قال: ما تقول في امرأة ادعت الحمل وأنكر الزوج ؟ فقلت له حدثني عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r (( لا عن بالحمل )) فتركني فكان بعد ذلك إذا رآني في طريق أخذ طريق آخر ، وروى بإسناده إلى علي بن خشرم قال: سمعت وكيعاً غير مرة يقول: يا فتيان تفقهوا فقه الحديث فإنكم إن تفقهتم فقه الحديث لم يقهركم أهل الرأي ، وروى بإسناده إلى علي بن خشرم المروزي أيضاً قال: : سمعت وكيعاً يقول لأصحاب الحديث : لو أنكم تفقهتم بالحديث وتعلمتموه ما غلبكم أصحاب الرأي ، ما قال أبو حنيفة في شيء يحتاج إليه إلا ونحن نروي فيه باباً ، قال رحمه الله : ولابد للفقيه أستاذ يدرس عليه ويرجع في تفسير ما أشكل إليه ، ويتعرف منه طريق الاجتهاد ، وما يعرف به الصحة والفساد ، وروى بإسناده إلى سليمان بن أبي شيخ قال أخبرني بعض الكوفيين قال: قيل لأبي حنيفة : في المسجد حلقة ينظرون في الفقه ، قال: لهم رأس ؟ قالوا: لا ، قال: لا يفقهه هولاء أبداَ ، وروى بإسناده إلى إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا أبو نعيم قال : كنت أمر على زفر محتب بثوبه كتده فيقول يا أحول تعال حتى أغربل لك أحاديثك ، فأريه ما قد سمعت فيقول: هذا ويأخذ به ، وهذا لا يأخذ به ، وهذا ناسخ ، وهذا منسوخ وروى بإسناده إلى عبيد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة ، وأبو حنيفة جالس ، فقال الأعمش : من أين قلت هذا ؟ فقال: من حديثك الذي حدثتنا به ، قال: نعم نحن صيادلة وأنتم أطباء ، وفي رواية قال: كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش : من أين لك هذا ؟ فيقول : أنت حدثتناه عن إبراهيم بكذا ، وحدثتناه عن الشعبي بكذا ، قال: فكان الأعمش بعد ذلك يقول يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة ، وروى بإسناده عن إلى عطية بن بقية قال: قال أبي : كنت عند شعبة بن الحجاج إذ قال لي يا أبا محمد إذا جاءتكم مسألة معضلة : ممن تسألون عنها ؟ قال: قلت في نفسي : هذا رجل قد أعجبته نفسه ، قال: قلت يا أبا بسطام نوجه إليك وإلى أصحابك حتى يفتوه ، قال: فما كان إلا هنيهة إذ جاء رجل فقال يا أبا بسطام رجلا ضرب رجلا على أم رأسه فادعى عليه المضروب أنه انقطع شمه ، قال: فجعل شعبة يتشاغل عنه يميناً وشمالاً فأومأت إلى الرجل أن ألح عليه ، فالتفت إلي وقال يا أبا محمد ما أشر البغي على أهله ، لا والله ما عندي فيه شيء ولكن أفته أنت ، قال: قلت يسألك وأفتيه أنا ؟ قال فإني قد سألتك ، قال قلت: سمعت الأوزاعي والزبيدي يقولان : يدق الخردل دقاً بالغاً ثم يشم فإن عطس كذب ، وإن لم يعطس صدق ، قال: جئت بها باقية ، والله ما يعطس رجل انقطع شمه أبداً .
الرسالة الثانية
الهبات المقتبسة
لإظهار المسائل الخمسة
والعطايا الدقيقة في أسرار الطريقة
تأليف
الشريف الميرغني السيد محمد عثمان بن السيد محمد
أبي بكر
P
وبه الإعانة بدءاً وختماً وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسما
الحمد لله الذي جعل الطريقة محفوظة برجال متمكنين ، ودفع أهل التلبيس بأحباب أهل الشأن تعبير متعينين ، أحمده على أن جعل لنا الخلافة العظمى من حضرة رسوله الأمين وأشكره شكر من نال الرشد وطلب التكميل له ولإخوانه المنتسبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله المنان على أوليائه بدفع إبليس عنهم اللعين ، المخاطب له بقوله : ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير من أرشد إلى الله بالطريق المبين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المتقين :
أما بعد: فأقول وأنا الفقير للفيض والإحسان ، الميرغني المكي ختم أهل العرفان ، السيد محمد عثمان ، أيدني في سائر اللحظات المنان ، آمين:
إني لما دخلت أرض كردفان ، وأصلح الله على يدي من أحب من الرجال وفاض بحر المداد حتى عين خواص ، وأشرق عليهم شموس فتوحات وإخلاص وجرى سر الإمداد في كثير من إقليم السودان ، حتى امتلأ في عام واحد إلى أرض فور ، وبلغ المنتسبون إلينا فيه مئات الإخوان ، وتعين خلفاء من حضرة المصطفى وبان لهم حال وأنور وصلاح في كردفان إلا وزاد إلى دنقلا وورأها بديار ، وأصبح مقدم جيشه إلى بربر وشندي وسنار ، وبشرنا أنه يعم سائر الإقليم السوداني وفي عام واحد بلغ الآخذون طريقتنا فيه آلافاً ، والحال بفضل الله في الإكثار والحاصل أن التطويل ليس تحته طائل ، ولا هنا موضع له فأخشى الغوائل ، وأن المقصود من هذا التأليف ذكر خمس مسائل تحتوي على ما هو متعلق بالطريقة من لطيف وذلك بعد طلب جمل من الإخوان بل من خواص خلفائنا ممن أشرق عليهم نور الديان ، وتعينوا للخلافة في كردفان وهباً من المنان ، منهم العالم الفقيه الورع النبيه عين خلفائنا بالديار المشار إليها من إبتدأه من الحضرة بعض ما هو مركوز علها الخطيب محبنا عربي ، أيده الله بكمال القرب . ومنهم الشاب النبيه السالك الصادق خليفتنا بها صالح أنزله الله في مقام الحب ، ومنهم إبراهيم خليفتنا بدار فور من أشرق عليه نور الغفور . ومنهم خليفتا بها الفقيه بلوله ، ومنهم سرنا الحاج حماد صاحب الفيوضات المرسوله ، ومنهم الفقيه سلالة الأخيار ابن أبي صفية المشهور ، فأجبتهم رجاء أن يسعفني الحق وأوفق للوارد . وذلك دليل أنهم على قدم الصدق ، ووقع بعض الإلهام بتسمية هذا النظام :
(الهبات المقتبسة لإظهار مسائل خمسة) ، والعطايا الدقيقة في الوجوه المحتوية على كثير من أسرار الطريقة ) نفع الله بها سائر المسلمين ، وجعلها خالصة لوجهه فإنه قوي متين ، ورتبتها على خمسة فصول ليكون قريب المراجعة لمن أراد الوصول ، فالفصل الأول في ما هو مطلوب لشأن الحضرة العلية ، والفصل الثاني فيما تعلق بالحضرة المحمدية وحقوق الشيخ البهية ، والفصل الثالث في متعلقات الطريقة ومن تحقق بها على حسب مراتبها إجمالاً ، وبعض أحوال المتشبهين ، وبعض أحوال المتشبهين بالمتشبهين ، وبعض أحوال المدعين نعوذ بالله المتين ، والفصل الرابع فيما يعامل به إخوان السلوك أهل الدرجة الرفيعة ، والفصل الخامس فيما كان أجنبياً وما يعامل به من حيث الطريقة ، ونسأل الله أن يكمل لنا أسرار الحقيقة آمين .
الفصل الأول
اعلموا معاشر الإخوان أن الله خلق العباد للعبادة ، وجعل لهم في ذلك كمال السيادة ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ( وفي قوله )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ( سر مكنون ، وأحاديث ((يا عبادي)) كما يعلمه المخلصون ، واعلموا أن حقوق المولى لا تحصرها طروس ، والعبد واجب عليه في كل وقت الشغل بمولاه ليذهب عنه النحوس ، فمن حقوقه حفظ شريعته ومراعاة أهل طريقته ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحضور في الصلاة ومراقبته في الإسرار والعلانيات ، والإقبال عليه في جميع الساعات ، وحمده الموجب للحقوق والخيرات ، وشكره لمزيد الهبات ، والقيام في خدمته بالنصح فإنه يورث النجح ، ومن أعظم ما يسند عليه ذكر الله في كل الحالات ، وقد أشار لذلك بقوله في كتابه الحاوي المحكم الآيات ، )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ( وفي الحديث (( أذكروا الله حتى يقولوا: مجنون )) فتنبهوا لشأنكم قال السيد أحمد البدوي الطنطاوي : كان لي وله الحق بالفيض الروي ، في هذا المقام : إنه تحقق به بيت شعر وقد سطرت البيت فا بصر : مجانين إلا أن سر جنونا تأمل لأذكار تعلمن سر شأننا غياب بذكر الله يشهده النقل منه فنون على أبوابنا يسجد العقل
والحاصل أن الذكر مفتاح القلوب ، والموجب لمطالعة الغيوب ، والموصل لحضرة الفتاح ، والمهدي للنجاح ، ومن اشتغل به والاه سيما من الخلفاء المكملين فلابد أن يظهر عليه بركة سره المتين إذ به رقى من رقى إلى حضرة القدس ، وبه وصل من وصل إلى كمال الأنس ، وقد أطال فيه الصوفية الكلام إن شئت بعض ذلك فعرج على رسالتنا الحاوية للنظام المسماة ((بالفتح المبروك في كثير من آداب السلوك ، وفي قصيدنا السر الظاهر ، فثم ترى أسرار الأكابر ، ومن حقوقه التخلق بأخلاقه وإيتاء زكاته وصوم رمضان وحج بيته ، والحج مع الاستطاعة ، فكن منتبهاً ، ومن حقوقه الإيمان به وحفظ صفاته والإيمان بكتبه ورسله والعمل بما ورد فيها من أوامره ، ومن حقوقه أن تعبده كأنك تراه ، وهذا مقام الإحسان ، حققنا به الله ، وحقوق مولاك كثيرة ، والله بيده التوفيق للمعاني اليسيرة اللهم أرزقنا القيام بالعبودية والترقي إلى المشاهدة العلية آمين .
الفصل الثاني
فيما تعلق بالحضرة المحمدية وحقوق الشيخ البهية
اعلموا معاشر الإخوان ، الطالبين لدخول الحان ، والطامعين لنيل مقام الإحسان ، الراجين للوصول للمشاهدة والإيقان ، أنه لا بد من الوسائط وأعظمها سيد ولد عدنان ، صلى الله عليه وآله وسلم ما سرت الركبان ، وكذلك لا بد من شيخ ـ فمن لا شيخ له فشيخه الشيطان ، فما وصل إلى الله الرجال إلا بواسطة المصطفي ، وما وصل الأولياء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بواسطة المشايخ الخلفاء ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ( ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( ـ فهذه أسرار جليلة من قوله ) أنا فَرَطُكُمْ ( ترى أموراً عظيمة ، ورحم الله ابن مشيش حيث يقول في صلاته : فلا شيء إلا وهو به منوط ، إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط .
اعلموا أن حقوقه لا يقدر على ضبطها القلم ، ولا يستطيع أن يحيط به [b] [justify] | |
|